رئيس التحرير
أيمن حسن

الذين يثيرون الفتن بين أبناء الوطن من أجل شق وحدة الصف بين المسلمين والمسيحيين وينشرون مغالطات فى فتح مصر ويعتبرونه غزوًا من العرب على شعب مصر ويعتبرونه اضطهادًا على المسيحيين وأنهم قاموا بتعذيبهم وإرغامهم على الدخول فى الإسلام، لاقت هذه المقالات المشوهة التى تنشر خارج مصر ترحيبًا من أصحاب القلوب المريضة لنشر الكراهية وشق وحدة الصف الذي ظل على مدار التاريخ نسيجًا واحدًا وقلبًا واحدًا، وهكذا ظلت مصر وجيشها سدًا منيعًا لكل من تسول له نفسه لإشعال الفتنة الطائفية بين جناحى الشعب المصرى.

أقول لهؤلاء كيف كانت العلاقة منذ عهد سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين، لعلهم يفقهون ويفهمون.

 

أقول لهم، ألم يصف القرآن الكريم النصارى بأنهم أقرب الناس مودة للمسلمين فقال سبحانه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) المائدة (82).

وقول رسولنا الكريم صلوات الله عليه: (ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحما). وقال أيضًا: (إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرًا فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا).

وقال أيضًا صلوات الله وسلامه عليه: (اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ)، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض) فقال له أبو بكر،: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: (لأنهم في رباط إلى يوم القيامة).

وحينما بعث سيدنا محمد رسول الله صلّ الله عليه وسلم فى السنة السابعة للهجرة (628 م) رسالة الى المقوقس عظيم القبط يدعوه فيها الى الإسلام وقد أحسن المقوقس استقبال سفراء النبي صلّ الله عليه وسلم وعلى الرغم من أن المقوقس قد تردد في قبول الدعوة للدخول فى الإسلام إلا أنه بعث بهدية إلى الرسول الكريم وكان على رأس هدية المقوقس إحدى بنات مصر وهى السيدة "مارية" وبعض من منتجات مصر.

 

وقد خلفت هدية المقوقس إلى النبي صلّ الله عليه وسلم روابط قوية بين مصر وبلاد العرب على عهد الرسول الكريم وبخاصة بعد إنجابه ولده ابراهيم من السيدة مارية وهو الأمر الذى دعم صلة النسب مع المصريين ومهدت للفتح الإسلامي لمصر.

وقد جاءت رسالة الرسول فى الوقت الذى كانت تعانى مصر فيه من الاضطراب الذى كان يسود فى ذلك الوقت وبخاصة فى الاختلافات الدينية التى كانت بين المصريين والبيزنطيين.

كيف كان الموقف فى مصر قبل الفتح الإسلامي؟

فى عام 620 م تولى الكرازه المرقسيه البطريرك الثامن والثلاثين بنيامين الأول، وكان هرقل قد أرسل الى مصر حاكم مدنى وفى نفس الوقت بطريرك ملكانى، رفض بابا مصر بنيامين الاعتراف بسلطة البطريرك الملكانى سيروس فتعرض لاضطهاد كبير اضطره انه يترك الإسكندرية ويهرب إلى وادى النطرون فلقى هناك عدد صغير من الرهبان بعدما هربوا من القتل ثم ذهب بنيامين إلى الصعيد وعين هرقل أساقفة ملكانيين فى نواحى مصر واضطهد المصريين اليعاقبة اضطهاد كبير وقامت فى مصر موجة من التنكيل والإذلال لم يكن لها مثيل فى التاريخ، وهجم البيزنطيين على الكنائس والأديرة ونهبوا وصادروا الأراضي والممتلكات وجلدوا الأقباط بالكرابيج وقتلوهم وقبض سيروس على مينا اخو بنيامين وعذبه ثم قتله.

ففى عام 20 هـ كان الفتح الإسلامى بقيادة عمرو بن العاص بعد هزيمة البيزنطيين وتخليص الأقباط من اضطهاد البيزنطيين فكيف كانت شهادة الأقباط أنفسهم، هذا ما سنحاول سرده بنصه في تلك الكتب.

يذكر حنا أسقف نقيوس - يوحنا النقيوسي - الذي عاصر دخول العرب إلى مصر ما نصه:

كان البابا بنيامين (البطريرك الـ 38) هاربًا من قيرس (المقوقس) البطريرك الملكاني وبعد الهزيمة التي مني بها الروم ورحيل جيشهم عن مصر أصبح القبط في مأمن وبدأوا يشعرون بالحرية الدينية ولما علم عمرو باختفاء البابا القبطي بنيامين نتيجة الظروف التي كان يمر بها الأقباط كتب كتاب أمان للبابا بنيامين يقول فيه: الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلامة من الله فليحضر آمنًا مطمئنًا ويدير حال بيعته وسياسة طائفته.

كما يقول أن عمرو بن العاص وهو في طريق عودته بعد فتح الإسكندرية خرج للقائه رهبان وادي النطرون فلما رأى طاعتهم سلمهم كتاب الأمان للبابا فلم يلبث عهد الأمان أن بلغ بنيامين إلا وخرج من مخبئه وعاد إلى الإسكندرية ودخلها دخول الناصرين وفرح الناس برجوعه فرحًا عظيمًا بعد أن ظل غائبًا ثلاثة عشر عامًا.

ثم يذكر أيضًا الراهب أنطونيوس الأنطوني- كل ذلك حدا بالمؤرخ بتلر أن يقول عن البطريرك بنيامين ولقد كان لعودة بنيامين أثر عظيم في حل عقدة مذهب القبط إن لم تكن عودته قد تداركت تلك الملة قبل الضياع والهلاك.

ويقول القس منسي يوحنا في كتابه تاريخ الكنيسة القبطية: "وذكر المؤرخون أنه بعد استتباب السلطان للعرب في مصر وبينما كان الفاتح العربي يشتغل في تدبير مصالحه بالإسكندرية سمع رهبان وادي النطرون أن أمة جديدة ملكت البلاد فسار منهم إلى عمرو سبعون آلفًا حفاة الأقدام بثياب ممزقة يحمل كل واحد منهم عكاز.. تقدموا إليه وطلبوا منه أن يمنحهم حريتهم الدينية ويأمر برجوع بطريركهم من منفاه، أجاب عمرو بن العاص طلبهم وأظهر ميله نحوهم فازداد هؤلاء ثقة به ومالوا إليه.

ويقول القس منسي - (خصوصًا لما رأوه يفتح لهم الصدور ويبيح لهم إقامة الكنائس والمعابد في وسط (منطقة) الفسطاط التي جعلها عاصمة الديار المصرية ومركز الإمارة على حين أنه لم يكن للمسلمين معبد (مسجد) فكانوا يصلون ويخطبون في الخلاء.

أبعد هذا التاريخ وهذه العلاقة يتشدق أعداء الوطن بأن يصفوا هذا الفتح بأنه كان غزوًا؟.

تم نسخ الرابط